وسط مخاوف حقوقية.. الحكومة اللبنانية تضع مئات السوريين أمام خطر الترحيل
وسط مخاوف حقوقية.. الحكومة اللبنانية تضع مئات السوريين أمام خطر الترحيل
لبنان- بلال نور الدين
لا يكفي أن يقفل ملف في لبنان، حتى يفتح ملف آخر يثير الجدل، واليوم فتح ملف السوريين السجناء في السجون اللبنانية، فبعد جريمة قتل، راح ضحيتها مسؤول حزب القوات اللبنانية باسكال سليمان في مدينة جبيل، والتي بينت التحقيقات أن منفذيها يحملون الجنسية السورية وكانوا يهدفون لسرقة سيارته، عاد الحديث عن ضرورة إيجاد حل للنازحين الذين تركوا سوريا منذ 2011 بحثا عن الأمان ثم لم يعودوا لبلادهم مجددا.
وعلى الرغم من أن خطاب ترحيل السوريين إلى بلادهم ليس بجديد في لبنان، فإن المخاوف من تعرض 2500 سجين إلى انتهاكات في حال رجوعهم إلى سوريا خلقت حالة من البلبلة بين اللبنانيين.
ويرى الشاب اللبناني، علي، أن “طرح إعادة السجناء السوريين إلى بلادهم خطير جدا، فقد يكون بعضهم له مواقف سياسية تعرضه للملاحقة وبالتالي يجب إعادة النظر في مثل هكذا قرار”.
ويضيف "علي" في حديث مع "جسور بوست"، متسائلا “هل أزمات لبنان الاقتصادية والأمنية ستحل بإعادة عدد من السجناء؟ هذا للأسف كله هروب إلى الإمام من حقيقة أن الحكومة اللبنانية فاشلة".
أما "حسن"، وهو مصفف شعر، فقال في حديث مع "جسور بوست"، إن “على الدولة ترحيل السجناء وأي شخص مخالف. فلا شأن للبنان بالشؤون السياسية والأمنية في سوريا. وبالتالي، يجب على الحكومة السير قدما بهذا القرار".
موضوع أمني وقضائي معقد
من جانبه، أوضح مستشار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، فارس الجميل، "أن ملف إعادة السجناء معقد وهو ملف أمني قضائي يدرس بدقة، وقد وضع على السكة".
وأشار "الجميل"، في حديث مع "جسور بوست"، إلى أن "الدولة كلفت الأمن العام للتواصل مع سوريا بهذا الخصوص." مشيرا إلى أن البحث يأخذ بعين الاعتبار "الاتفاقية الموجودة بين لبنان وسوريا والتي تتعلق بتبادل السجناء".

فارس الجميل
ووفق الاتفاقية القضائية الموقعة ما بين لبنان وسوريا فإن ما يوجب تسليم شخص ما هو أن تكون العقوبة القصوى للجرم الذي ارتكبه لا تقل عن سنة. أو أن يكون الجرم المرتكب واقع في أراضي سوريا أو دولة ثالثة.
وأما ما يحظر التسليم فهو أن يكون طابع الجريمة سياسيا، أو وقعت في لبنان، أو أن يكون الشخص قيد المحاكمة في قضايا أخرى لم يتم ذكرها في طلب الاسترداد/ التسليم.
ويأتي هذا الحديث في ظل الانقسام الحاصل ما بين الأطراف السياسية اللبنانية بين من يعتبر أن التواصل مع سوريا ضرورة من جهة، وبين من يرى أن سوريا لا تزال في موقع الخصم من جهة أخرى، على الرغم من إقامة علاقات دبلوماسية معها.
الإعادة مشروطة قانوناً
من جهتها، ترى المحامية والناشطة الحقوقية، ديالا شحادة، أن "خطورة هذا المشروع تكمن في أنه قد يشكل مخالفة للقوانين اللبنانية والالتزامات اللبنانية ويعرض الأشخاص المعنيين لجرائم يحظرها القانون الدولي، أي أن إعادة السجناء قد تتسبب باضطهاد أو تعذيب أو انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان".
وأضافت "شحادة"، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن "سوريا بحسب المنظمات الدولية هي دولة اضطهادية حقوقيا واجتماعيا وسياسيا وأمنيا".
وقالت، إنه "في حال لم يتضمن القرار، تنفيذيا وتطبيقيا، حماية وكفالة حقوق المعنيين لا يكون قانونيا. وإذا لم ينسجم القرار مع شروط الترحيل أو التسليم المنصوص عنها في القوانين اللبنانية فيكون أيضا غير قانوني، مع التذكير بأن الترحيل مصدره يجب أن يكون القضاء حتى يكون له سلطة قانونية".
وقالت إن “القضاء بحسب القوانين اللبنانية هو المرجع القانوني لإصدار قرارات الترحيل، وإن النهج الذي يتبعه الأمن العام اللبناني بإصدار هذه القرارات وتنفيذها بدون الرجوع للقضاء هو نهج غير قانوني، بحسب القرار الصادر عن مجلس شورى الدولة قبل بضع سنوات".

ديالا شحادة
وتابعت: “من حق أي شخص مسجون بأي جرم أو معرض لأي قرار أن يطعن فيه، إلا في حال وصل القرار لمرجع لا يعود بالإمكان الاعتراض على قراره، ولكن، بالحد الأدنى يحق له بداية الاعتراض، وكون هذا القرار إداريا صادرا عن الحكومة، فيكون الاعتراض لدى مجلس شورى الدولة عبر طلب توجيه قرار للأمن العام بعدم تنفيذ قرار الترحيل إلا بعد النظر في الاعتراض المقدم من الشخص المعني. أو من الممكن اللجوء لقضاء العجلة".
وأضافت "شحادة"، “بالتالي القرار يكون قانونيا إذا لحق القانون اللبناني والالتزامات القانونية الدولية.. فالمادة 34 من قانون العقوبات اللبناني تنص على أنه في حال أن التسليم كان لغرض سياسي، فيحظر تسليم الشخص في مثل هذه الحالة، فيجب درس هذا الموضوع. وبما أنه لن تكون هناك لجنة قانونية لدراسة هذه المسألة، فيبقى على عاتق الشخص المعني (السجين) أن يعين محاميا ليستخدم حقه الدستوري في الدفاع من أجل الطعن بالقرار".
وحول القوانين والتشريعات الدولية التي يلتزم لبنان بها، أوضحت "شحادة" أن “الالتزامات الدولية للبنان تقول إن الأفراد المعرضين لأي شكل من أشكال الاضطهاد في دولتهم لا يجوز ترحيلهم إلى تلك الدولة”. من دون أن تخفي تخوفها من ألا يأخذ قرار الحكومة “تلك الالتزامات بعين الاعتبار إلا في حال كفل بشكل جدي حق كل شخص قيد الترحيل باللجوء إلى القضاء وأن يؤمن له معونة قضائية في حال لم تكن لديه قدرة على توكيل محام".
تخوفات حقوقية
بدورها، كشفت المتحدثة الإعلامية باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ليزا أبو زيد، أن" المفوضية تواصل الدعوة إلى احترام مبادئ القانون الدولي وضمان حماية اللاجئين في لبنان من الإعادة القسرية، تأخذ المفوضية التقارير المتعلقة بترحيل اللاجئين السوريين على محمل الجد، وعندما تنشأ مثل هذه الحالات، تتابع ذلك مع النظراء المعنيين".
وقالت إنه "كما هو الحال في جميع البلدان، تدعو المفوضية في لبنان إلى منح الأشخاص الفرصة للتعبير عن أي مخاوف قد تكون لديهم فيما يتعلق بالعودة إلى بلدهم الأصلي، ولتقييم حالتهم على النحو الواجب".
وأكدت "أبو زيد" في حديث مع "جسور بوست" أن “المفوضية تواصل الدعوة بقوة إلى مراعاة الإجراءات القانونية الواجبة، والالتزام بالمعايير القانونية في أي إجراءات ترحيل، بما في ذلك الحق في الاستماع إلى طلب اللجوء، وفقاً لمبدأ عدم الإعادة القسرية".
وتذكر أبو زيد بأن “على كل لاجئ، بغض النظر عن مكان وجوده، واجبات تجاه البلد الذي يجد نفسه فيه، والتي تتطلب على وجه الخصوص الالتزام بالقوانين واللوائح وكذلك التدابير المتخذة للحفاظ على النظام العام، ولذلك، إذا ارتكب لاجئ جريمة، فإن نفس القوانين التي تنطبق على المواطنين تنطبق على اللاجئين بالتساوي كما تنطبق العقوبة المفروضة، ومع ذلك، ينبغي أيضًا احترام مبدأ عدم الإعادة القسرية، ولا يمكن إعادة الأفراد الذين ارتكبوا جرائم إلى بلدانهم الأصلية إذا كانوا سيواجهون معاملة لا إنسانية أو مهينة عند عودتهم".

ليزا أبو زيد
وعن مدى احتمال تعرض السوريين للاضطهاد في حال عودتهم لسوريا، أوضحت أن "الطوعية والسلامة والكرامة هي معايير دولية أساسية يجب الوفاء بها في أي حالة عودة للاجئين، إن المفوضية تأخذ التقارير المتعلقة بالعنف وسوء المعاملة ضد العائدين من المنفى على محمل الجد، وتشجع المفوضية على مشاركة أي تقارير موضوعية عن انتهاكات الحقوق الفردية ضد اللاجئين العائدين معنا".
وتابعت، "السوريون الذين يتواصلون مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لدواعٍ تتعلق بالحماية يعتبرون لاجئين، وذلك تماشيًا مع القانون الدولي ووجهات نظر المجتمع الدولي. وفي ضوء الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي وانتهاكات وتجاوزات قانون حقوق الإنسان والنزاع المسلح المستمر في سوريا، تواصل المفوضية على مستوى العالم وصف فرار المدنيين من سوريا بأنه حركة لاجئين، مع الغالبية العظمى من طالبي اللجوء السوريين وما زالوا بحاجة إلى الحماية الدولية للاجئين".
ووفق تقرير نشرته منظمة هيومن رايتس ووتش، الصادر في عام 2021، فقد جرى توثيق 21 حالة اعتقال واحتجاز تعسفي، و13 حالة تعذيب، و3 حالات اختطاف، و5 حالات قتل خارج نطاق القضاء، و17 حالة اختفاء قسري، وحالة عنف جنسي مزعوم بحق أشخاص عادوا إلى سوريا.
وخلص تقرير المنظمة إلى أن "سوريا ليست آمنة للعودة".